سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 1 إبريل 1987 .. جثمان عبدالرحمن الخميسى يصل من موسكو ودفنه فى المنصورة بجوار شجرة تنفيذا لوصيته

الإثنين، 01 أبريل 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 1 إبريل 1987 .. جثمان عبدالرحمن الخميسى يصل من موسكو ودفنه فى المنصورة بجوار شجرة تنفيذا لوصيته عبدالرحمن الخميسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتظرت الشجرة التى أوصى عبدالرحمن الخميسى بدفنه بجوارها فى مدينة المنصورة قدوم جثمانه من منفاه بموسكو، ليكون عصفورها الذى سيبنى عشه عليها، ويكسر صمت القبور بزقزقته، ورغم دفنه يوم 1 إبريل، مثل هذا اليوم،1987، فإن بعضا ممن شيعوه ومنهم الكاتب الصحفى يوسف الشريف ظنوا «موته مجرد أكذوبة، أومقلب من مقالبه المحكمة».. يذكر فى كتابه «القديس الصعلوك»: «توقعت أنه سينهض قائما يضحك للمعزين، ويعلن على الملأ نهاية اللعبة التى لجأ إليها حتى يعود إلى مصر». 
 
أكتب عنه للمرة الثالثة فى هذه الزاوية، وأواصلها أربعة أيام، تقديرا له كاستثنائى فى الإبداع وتجربة الحياة، والكتابة عنه أحسبها فرضا فى ظل إهماله رسميا، رغم أنه وحسب الشريف: «شاعرا فحلا، وكاتبا مرموقا، ومترجما أمينا، وقاصا وروائيا، ومؤلفا مسرحيا، وإذاعيا وسينمائيا، وموسيقيا ومذيعا ذا صوت ذهبى، وممثلا، وصاحب مواقف مشهودة فى سجل النضال الوطنى، فضلا عن كونه صعلوكا أشر بالمعنى الجميل فى تراث شعراء الصعاليك العرب، ومزواجا، ومغامرا، ومتلافا، وبوهيميا، وأكولا، ومحدثا، ومهزارا، وسميرا، وظريفا لايشق له غبار».ويراه يوسف إدريس: «عملاقا قويا مقاتلا إلى ألف عام، وكان فمه مفتوحا على آخره، مستعدا لابتلاع الحياة كلها بكل ما فيها من طعام وشراب وجمال..ابتلعته الغربة وإلى أربعة أركان الكرة الأرضية مضى يتسلمه ركن ليرفضه ركن، وهو قوى مقاتل وطنى عنيد، هذا الشاعر، المخترع، الموسيقى، الذى قهر من قهرنا جميعا، ومن بطط بحذائه الغليظ ثقافتنا وإنسانيتنا».
 
فى رقدة موته بقى كما هو فى سخريته من الحياة.. يذكر «الشريف»: «كان أنفه موصولا بأنبوبة أكسيجين، والسيجارة لا تغادر شفتيه، وقال له الأطباء: لم يبق أمامنا سوى عملية غسيل للرئتين..ترجم له ابنه «أحمد» مايقولون، فصاح دون تردد: قل لهم أن يفعلوا ما يريدون فورا..لا أنا خائف ولامتردد، ثم نظر إليه وقال: اسمع يا أحمد إذا حلت نهايتى فقم بدفنى إلى جوار شجرة فى المنصورة، أوازرع لى شجرة إلى جوار قبرى..لأننى سأعود عصفورا ولابد أن أجد مكانا ياأولاد الكلب حتى أغنى فوق أغصانه».
 
فى طريق عودة مشيعيه من المنصورة إلى القاهرة، استدعى الجميع قصته منذ مولده فى «منية النصر» بمحافظة الدقهلية، 13 نوفمبر 1920، وكتب منها فصلا واحدا بجريدة الجمهورية عام 1967، ووفقا للشريف: «نوه عنها الكاتب الكبير محمد عودة قائلا: «هى صفحة عاصفة من حياة جيل بأكمله، وقلق واستقرار وهزيمة وانتصار فنان كبير».. كتب عن والدته ابنة بورسعيد الحضرية، ووالده القروى البسيط.. قال:«كانت هى تمثل المدينة الساحلية المصقولة المضاءة بالكهرباء، وهو يمثل الحقل غير المهذب حواشيه، ولكنه يفوح برائحة النمو، ويشرب أضواء الشمس، ويتدثر برداء الفضاء وعتمته، ولم يكن من المستطاع أن يعيش النقيضان تحت سقف واحد، فتم بينهما الانفصال، وضيعانى وأنا طفل صغير».
 
فى سنوات طفولته الأولى كان يرعى والدته فى وحدتها كأنه رجلها..» وماكدت أبلغ السادسة حتى اختطفنى فى ليلة رمضانية من أحد شوارع بورسعيد شيخ معمم، كمم فمى حين أردت أن أصيح، ولفنى بعباءة سوداء، وقال لى إنه والدى، ولم أكن رأيته من قبل، وحملنى ليلا إلى مركب فى بحيرة المنزلة، ولقيت نفسى فى الصباح فى أحضان منية النصر مركز دكرنس بالدقهلية، ومنذ اللحظة الأولى أدركت الفرق الشاسع بين بورسعيد الجميلة التى تصل بيوتها مواسير المياه النقية وبؤس الريف بحواريه وأزقتها المتربة الموحلة، والمضاء بمصابيح الجاز أوبشعل من فتيل قماش فى علب من الصفيح، ويشرب أهله قواقع البلهارسيا من مياه الترع، وحاول أبى وزوجته أن ينسيانى والدتى لكنهما لم ينجحا». 
 
أرسله والده إلى مدرسة ابتدائية فى قرية الزرقا «دمياط»، واستأجر له غرفة صغيرة ليقيم فيها..«خلوت إلى نفسى وأنا فى السابعة تقريبا، وكنت أطوف على شاطئ النيل فى كل مساء، أحلم بوجه أمى وحنانها المفقود، وأغنى أى كلام يعبر عن حنينى ووحدتى، وأكتشف أن دموعى تسيل على وجنتي.. كان تفوقى فى الدراسة ينسينى إلى حد كبير تلك المأساة التى يعيشها قلبي، ولكن المأساة حين أنفرد بنفسى وأخلو إلى حجرتى كانت ما تلبث أن تستيقظ كالوحش المفترس وتنشب مخالبها فى لحم قلبي».
 
تغيرت مع مرور الأيام نظرته لوالده..يقول: «لاحظت عندما كنت أبيت فى قريتنا الخميس من كل أسبوع، أن أبى كان قليل النوم، حتى سمعته مصادفة فى منتصف الليل يغنى غناء جريحا يقطر بالحزن، كان صوته الخشن، وكلماته الساذجة تفيض بألم رهيب، بأنين وحشى يملأ البيت فى الظلام..صحوت ذات ليلة من تلك الليالى، وجعلت أصغى إلى المواويل الحزينة التى يغنيها، وسمعت صوت جار لنا يقول لزوجته: سامعة أبوعبدالرحمن؟ الله يكون فى عونه.. كانت المواويل التى يغنيها تصور أشجان غرام فاشل، ومنذ تلك الليلة امتلأ قلبى بحب أكبر نحو أبى».
فى اليوم التالى لدفنه بالمنصورة توجه أصدقاؤه المقربون إلى مسكنه بشارع نوبار بالقاهرة للعزاء، وفى مقدمتهم الكاتبان الكبيران محمد عودة، ومحمود السعدنى، فماذا قالا عنه؟
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة